مقدمة :
ما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى
بدأت تظهر معالم التحول في العالم، فبالإضافة إلى الحصيلة البشرية والمادية لهذه
الحرب، هناك حصيلة سياسية انبثقت عنها تحولات كبرى تعطي لهذا الحدث قيمة مميزة على
مستوى التطور التاريخي للعالم المعاصر.
فأين تكمن مظاهر هذه التحولات؟
وما أبعادها ودلالاتها التاريخية؟
I.
مؤتمر السلام ومعاهدات الصلح المضمون
والأبعاد
1. التعريف بمؤتمر السلام ومعاهدات الصلح:
انعقد مؤتمر السلام في قصر فرساي بباريس سنة 1919م، وتميزت ظرفية انعقاده والقرارات التي خرج بها بمجموعة من الأبعاد :
- احتكار مجلس الأربعة الكبار لمداولات المؤتمر
وتوجيهها لخدمة مصالحها.
- الاختلاف بين الدول العظمى المنتصرة في الحرب
على شروط إقرار سلم دائم في أوربا والعالم.
- الحضور القوي للمصالح الأمريكية من خلال مدونة
الرئيس ولسون للسلام.
- الرغبة الفرنسية الجامحة في إضعاف القدرات
الألمانية.
- التمسك البريطاني بفكرة التوازن الأوربي.
وقد أسفر المؤتمر في النهاية عن مواجهة بين دول
مستفيدة وأخرى متضررة ستعمل على مراجعة قرارات المؤتمر.
فرض المنتصرون على المنهزمين في الحرب معاهدات الصلح ( السلم المفروض أو الديكتات) وتضمنت مختلف المعاهدات المفروضة شروطا قاسية ترابية وعسكرية ... وكانت وراء تفكيك الإمبراطوريات التقليدية الكبرى وبروز دول جديدة ذات أنظمة دستورية لكنها في المقابل تركت المناخ السياسي العام في أوربا مفتوحا أمام التوتر والانفجار القومي والتطرف السياسي.
2. تحليل معاهدة فرساي واستخلاص أبعادها:
فرض الحلفاء على ألمانيا معاهدة فرساي في يونيو 1919م باعتبارها المسؤولة الأولى عن اندلاع
الحرب التي كبدت الحلفاء خسائر مادية وبشرية كبيرة. وتضمنت المعاهدة مجموعة من
الإجراءات الترابية قلصت من خريطة البلد داخليا وأفقدتها مجالها الاستعماري
خارجيا، ونصت المعاهدة كذلك على ضمانات سياسية وعسكرية ومالية لمصلحة
الحلفاء تحت غطاء الحفاظ على السلم.
وتنطوي معاهدة فرساي من الناحية التاريخية على الأبعاد
التالية :
- ارتباطها بالمصالح الفرنسية والبريطانية.
- تبرير شروطها القاسية بمسؤولية ألمانيا في
الحرب.
- اعتبارها وصمة عار بالنسبة للشعب الألماني
سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وبالتالي سيتم التعامل معها كمعاهدة مفروضة ينبغي
إلغاؤها.
II.
رصد التحولات السياسية الكبرى في أوربا
والعالم غداة الحرب.ع.1
1.
الخريطة السياسية الجديدة لأوربا:
أدت قرارات مؤتمر السلام ومعاهدات الصلح إلى
تغيير الخريطة السياسية لأوروبا، وأهم معالم هذا التغيير:
- اختفاء الإمبراطوريات التقليدية الكبرى
(العثمانية، النمساوية، روسيا القيصرية ألمانيا القيصرية ).
- بروز دول جديدة مثل : دول البلطيق بولونيا يوغوسلافيا تشيكوسلوفاكيا.
- بناء الخريطة انطلاقا من مبدأ القوميات الذي
ظلت وضعيته معقدة وقابلة للانفجار، خاصة في أوروبا الجنوبية والشرقية.
ولضمان الاستقرار والأمن الدولي تأسست عصبة الأمم
لتنظيم العلاقات الدولية استنادا للمبادئ الأربعة عشر التي جاء بها الرئيس
الأمريكي ولسون . غير أن هذه العصبة ظلت مجرد أداة لخدمة مصالح وأطماع الدول
العظمى ولم تستطع حل المشاكل العميقة المترتبة عن الحرب.
2. الوضع الجديد لميزان القوة في العالم:
أفقدت الحرب أوروبا مكانتها العالمية لعدة أسباب
:
- ثقل الخسائر البشرية والمادية
- مخلفات معاهدات الصلح على المجال الأوروبي الذي
أصبح مجزءا وخاضعا للحواجز الجمركية
- تنامي الانقسامات السياسية والتوترات
الاجتماعية بعد الحرب .
- فقدان الأسواق التقليدية في أمريكا اللاتينية
مثلا
- ظهور الوعي الوطني في المستعمرات
- تراكم الديون الخارجية على أوروبا، خاصة من
الولايات المتحدة الأمريكية
كل ذلك كان في مصلحة قوى رأس مالية جديدة أصبحت تتحكم في التجارة والمال عالميا ويتعلق الأمر بـ : و.م.أ واليابان.
3. أوضاع المستعمرات غداة الحرب:
أثرت الحرب على أوضاع المستعمرات من خلال المعطيات التالية :
- حصول تغييرات في خريطة المستعمرات، حيث تم
توزيع المستعمرات التي كانت تابعة للدول المنهزمة على الدول المنتصرة التي وسعت من
مجالها الاستعماري خاصة فرنسا وإنجلترا
- ظهور قوى استعمارية جديدة كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان
- نهجت الدول الأوروبية سياسة استعمارية مبنية
على استغلال خيرات المستعمرات وثرواتها المادية والبشرية لأجل إعادة بناء الاقتصاد
الأوروبي الذي دمرته الحرب، فكانت لذلك آثار سلبية على أوضاع المستعمرات اقتصاديا
واجتماعيا مما أدى إلى نشوء حركات وطنية ومقاومات سياسية للنظام الاستعماري.
خاتمة :
تكتسي الحرب العالمية الأولى أهميتها التاريخية
من خلال التحولات العميقة التي ترتبت عنها في العالم المعاصر والتي استمرت طيلة
فترة ما بين الحربين.
المصطلحات والمفاهيم الأساس حسب الاطار المرجعي:
- مؤتمر السلام: المؤتمر المنعقد بباريس سنة 1919م تحت إشراف مجلس الأربعة الكبار (فرنسا) - بريطانيا - الولايات المتحدة الأمريكية - إيطاليا)، وذلك لصياغة السلم في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى.
- معاهدات الصلح: هي المعاهدات التي تلت نهاية الحرب العالمية
الأولى وفرضتها الدول المنتصرة على الدول المنهزمة، أشهرها معاهدة فرساي.
- معاهدة فرساي: من أهم
معاهدات الصلح، تم توقيعها يوم 28 يونيو 1919م بين الدول المنتصرة في الحرب
العالمية الأولى وألمانيا المنهزمة، تضمنت شروطا قاسية ومجحفة في المجالات
العسكرية والترابية والمالية.